بيت الحكمة في الشارقة… بوابة العلم وحديقة المعرفة الحديثة

في قلب الشارقة، المدينة التي لطالما حملت راية الثقافة العربية والإنسانية، يبرز بيت الحكمة كأحد أهم المشاريع الحضارية في المنطقة، ومعلماً يجمع بين روح المعرفة القديمة وحداثة العصر الرقمي في مشهد معماري وثقافي فريد. هذا الصرح الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، جاء ليجسد رؤية راسخة في أن الثقافة ليست خيارًا ثانويًا، بل عمودًا من أعمدة بناء الإنسان والمجتمع.
يقدم بيت الحكمة نموذجًا عصريًا لمكتبات المستقبل، حيث لم يعد مجرد مساحة للقراءة فحسب، بل تحول إلى مركز تفاعلي للبحث، والإبداع، والتواصل الإنساني. فالمبنى الذي صُمّم بلمسات معمارية حديثة تدمج الضوء الطبيعي مع المساحات الخضراء، يفتح أبوابه للباحثين والطلاب والأسر، ويوفر تجربة معرفية متكاملة تستجيب لتطلعات الجيل الجديد.
يضم بيت الحكمة أكثر من 105 آلاف كتاب ورقي تغطي مختلف التخصصات، إلى جانب مكتبة رقمية ضخمة تحتوي على أكثر من 935 مليون مصدر إلكتروني متجدد، تشمل كتباً، ومقالات، ومجلات علمية، وقواعد بيانات عالمية تمكّن الباحث من الوصول إلى أحدث الدراسات والمراجع. كما يحتوي على عدة غرف متعددة الأغراض يمكن استخدامها في الاجتماعات أو الدراسة أو التسجيل أو التصوير، ومساحات مخصصة للفعاليات والحوارات الفكرية التي تستضيف نخبة من المفكرين والمثقفين من مختلف دول العالم.
وتميّز هذا الصرح أيضاً بـحديقتين شمالية وجنوبية تمثلان امتداداً بصرياً ومعرفياً للمبنى، حيث يمكن للزوار القراءة في الهواء الطلق ضمن أجواء تعزز الهدوء والتركيز. كما يقدم بيت الحكمة مكتبة أطفال مبتكرة تعتمد على منهج التعلّم باللعب، مما يجعل المكان وجهة مفضلة للعائلات.
ولا يمكن الحديث عن بيت الحكمة دون التوقف عند دوره الريادي في دعم الإبداع. فالمبنى يضم مختبر للطباعة ثلاثية الأبعاد، والابتكار والتصنيع الرقمي، يساعد الشباب على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ملموسة، مما يعزز مكانته كمركز متكامل يجمع بين المعرفة والتقنية.
اليوم، أصبح بيت الحكمة رمزاً لإرث الشارقة الثقافي ورؤيتها القائمة على جعل المعرفة متاحة للجميع، ومختبراً مفتوحاً لصناعة المستقبل. فهو ليس مجرد مكتبة حديثة، بل منصة تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والعلم، وتؤكد أن الاستثمار في الثقافة هو الاستثمار الأكثر تأثيراً في بناء المجتمعات المستدامة.
بهذا الحضور المعرفي الفريد، يواصل بيت الحكمة دوره في جعل الشارقة عاصمة للثقافة العربية، ونافذة مشرقة للعالم على قيم القراءة والإبداع والبحث العلمي.




