المحلية

عبدالله كريري: التوظيف ليس إجراءً إداريًا… بل قرار مصيري

عبدالله كريري، مستشار الموارد البشرية، يرى أن كثيرًا من الشركات، خصوصًا الناشئة منها، ما زالت تتعامل مع التوظيف باعتباره عملية إدارية هدفها سد الشواغر وتسريع العمل، بينما الحقيقة أن التوظيف هو أحد أخطر القرارات المصيرية التي تحدد شكل الشركة وثقافتها وقدرتها على الاستمرار. فالخطأ في اختيار شخص واحد قد يكلف المنظمة سنوات من التعطيل والاستنزاف دون أن يظهر ذلك بشكل مباشر في البداية.

الطرح الذي قدمه المفكر ورائد الأعمال Naval Ravikant أعاد تسليط الضوء على هذه الحقيقة، حين أكد أن المؤسس لا يجب أن يوظف من يشعر أنه أذكى منه كقائد، ليس من باب الخوف أو ضعف الثقة، بل لأن هذا النوع من الأشخاص غالبًا ما يرى نفسه أكبر من المكان، ويغادر عند أول فرصة، تاركًا فجوة يصعب تعويضها في مراحل التأسيس الحساسة.

ومن أخطر الأخطاء، بحسب كريري، أن يُسلَّم ملف التوظيف في البدايات لطرف خارجي أو يُختزل في دور إداري بحت. فالتوظيف في هذه المرحلة هو مسؤولية المؤسس الأولى، لأنه يختار أشخاصًا سيحملون رؤيته، ويشاركونه اتخاذ القرار، ويشكلون هوية الشركة قبل أن تتبلور رسميًا.

وفي مراحل التأسيس المبكرة، هناك ملفات لا تحتمل التفويض، يأتي في مقدمتها التوظيف، والتمويل، والاستراتيجية، ورؤية المنتج. أي خلل في هذه الجوانب ينعكس مباشرة على اتجاه الشركة ويشوّه مسارها قبل أن تتاح لها فرصة التصحيح.

وتؤكد التجارب العملية أن أفضل الفرق لا تتكوّن من أصحاب الأنا العالية، بل من أشخاص منخفضي الأنا، يعملون بدافع داخلي، ويهتمون بالإنجاز أكثر من الألقاب. هؤلاء لا يحتاجون إلى متابعة دائمة، ولا يحوّلون بيئة العمل إلى ساحة صراع، بل إلى مساحة إنتاج وتعلّم.

كما أن أول مجموعة يتم توظيفها، وغالبًا ما تكون ما بين عشرة إلى عشرين شخصًا، تضع الأساس الثقافي للشركة. طريقة تفكيرهم، ومستوى جديتهم، وسرعة تنفيذهم، تتحول لاحقًا إلى معايير غير مكتوبة تحكم بقية الفريق مع التوسع.

ويحذّر كريري من الانبهار بالأسماء الرائجة في السوق الوظيفي، معتبرًا أن ملاحقة “الترند” لا تصنع ميزة تنافسية، بل قد تتحول إلى عبء. فالقيمة الحقيقية للمؤسس تكمن في اكتشاف المواهب قبل أن تصبح محل مطاردة، وفي بناء بيئة تستوعب قدراتهم بدل حشرهم في أوصاف وظيفية جامدة.

ومن الأخطاء الشائعة أيضًا التوظيف لمجرد ملء كرسي شاغر. الكرسي الفارغ أقل ضررًا من شخص عادي يبطئ الإيقاع ويخفض مستوى الأداء العام دون أن يلاحظ ذلك في البداية. ولهذا غالبًا ما تتفوق الفرق الصغيرة المتناغمة على الفرق الكبيرة المزدحمة، لأن كثرة العدد تعني ضجيجًا أكبر وقرارات أبطأ.

ويشير إلى أن معايير المؤسس في التوظيف تتحول مع الوقت إلى ثقافة سائدة داخل الشركة. أي تساهل في البداية يصبح قاعدة لاحقًا، وأي تنازل صغير اليوم يظهر أثره مضاعفًا في المستقبل، ما يجعل الانسجام في الدوافع والطموح أمرًا لا يقل أهمية عن المهارات والخبرة.

ولا يمكن تجاهل أثر الاعتماد على أشخاص ينتظرون التوجيه في كل خطوة، إذ يستهلك هذا النوع طاقة القائد بدل أن يضيف إليها، بينما الأشخاص ذوو الدافع الذاتي يرفعون سرعة النمو ويخففون العبء الإداري.

أما في ما يتعلق بالرواتب والحوافز، فيرى كريري أن الالتزام الصارم بالقواعد التقليدية قد يمنع الشركات من استقطاب الكفاءات الاستثنائية، مؤكدًا أن ميزة الشركات الناشئة تكمن في مرونتها وقدرتها على تقديم عروض تتناسب مع القيمة الحقيقية للأشخاص المؤثرين.

ويختتم عبدالله كريري رأيه بالتنبيه إلى أن الإفراط في استخدام أدوات التواصل الداخلي يعطي إحساسًا زائفًا بالإنتاجية، بينما يشتت التركيز ويهدر الوقت، مشددًا على أن التواصل الفعّال لا يعني كثرة الرسائل، بل وضوحها وتحديد أطرافها وربطها بهدف واضح.

ويخلص إلى أن التوظيف ليس مهمة إدارية عابرة، بل قرار استراتيجي طويل الأثر، وأن نجاح الشركات لا يُقاس بعدد موظفيها، بل بنوعية العقول التي تختارها، ونقاء دوافعها، وقدرتها على العمل معًا منذ اليوم الأول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى