اكتشافات أثرية جديدة تعيد كتابة تاريخ عودة الإنسان إلى الجزيرة العربية بعد العصر الجليدي
كشفت هيئة التراث السعودية، بالتعاون مع تحالف علمي دولي ضم باحثين من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، عن دليل قاطع يثبت أن استيطان البشر والحياة البرية للمناطق الصحراوية في المملكة العربية السعودية قد بدأ قبل آلاف السنين مما كان يُعتقد سابقاً، بعد انتهاء العصر الجليدي الأخير.
ونُشرت هذه النتائج في مجلة (Nature Communications)، التي أفادت باكتشاف واجهات صخرية ضخمة عليها نقوش وفنون صخرية تعود إلى نحو 12 ألف سنة مضت في صحراء النفود.
شمل الاكتشاف ما يزيد عن 60 واجهة صخرية تحوي 176 نحتاً صخرياً في ثلاث مناطق لم تُستكشف من قبل على الحافة الجنوبية للنفود (جبل عرنان، جبل المليحة، وجبال المِسْمى). بخلاف المواقع المعتادة، نُفذت هذه الفنون على واجهات صخرية شاهقة، وصل ارتفاع بعضها إلى 39 متراً، وفي مواقع بارزة يمكن رؤيتها بوضوح. وتصور النقوش بحجمها الطبيعي أشكالاً لحيوانات مثل: الجمال، الوعول، الخيول، الغزلان، وثيران الأوروك (المنقرضة). وتؤكد هيئة التراث أن هذا الأسلوب الفريد من التعبير الرمزي يعكس ثقافة متميزة تكيفت ببراعة مع البيئة القاحلة.
ويُرجح أن هذه الفنون تعود للفترة ما بين 11,400 و12,800 سنة مضت، استناداً إلى المعثورات الأثرية في الموقع، والتي تضمنت أدوات من الصوان والكوارتز ورؤوس سهام شبيهة بتلك المنتشرة في بلاد الشام، بالإضافة إلى خرزات وصبغات معدنية. هذه المكتشفات تشير إلى وجود روابط واسعة النطاق مع مجتمعات العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث في منطقة المشرق العربي.
وفي سياق متكامل، قام البروفيسور فرانز فان بوكيم من كاوست بتحليل بيئي قديم لرواسب بحيرات موسمية مجاورة. هذا التحليل أثبت أن أقدم وجود موثق للمياه السطحية في المنطقة بعد الجفاف الشديد يعود إلى ما يقرب من 14 ألف سنة، وليس 10 آلاف سنة كما كان سائداً. وقد لعبت مصادر المياه الموسمية هذه دوراً حاسماً في تسهيل توسع كل من البشر والحيوانات البرية إلى داخل الصحراء في فترة مبكرة.
واختتم فان بوكيم مشيراً إلى أن قوة هذه الدراسة تكمن في دمج العمل الأثري (الفنون الصخرية والأدوات) مع الدعم المباشر من الدراسات البيئية القديمة (تحليل الرواسب وتأريخها)، وهو التعاون الذي قادته هيئة التراث مع معهد ماكس بلانك للجيوأنثروبولوجيا.