الحذر والثقة: فن التوازن في زمن المتغيرات

بقلم: عبدالرحيم محمد ابن عبدالله كنو
مقدمة: حين يصبح الحذر حكمة
في عالم يموج بالمتغيرات، يظل الحذر هو بوصلة الحكماء التي توجههم نحو بر الأمان. ليس من منطلق سوء الظن، بل كشكل من أشكال التعقل والنضج الذي يميز بين النوايا الصادقة وتلك التي تحمل في طياتها ما يدعو للريبة. أن تكون حذراً لا يعني أن تتهم، بل أن تتثبت وتزن الأمور بميزان العقل، لا بعاطفة القلب وحدها. فالحكمة تقتضي أن نكون على وعي بمن حولنا دون أن نبني جداراً من الشك يعزلنا عنهم.
“وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ” (يونس: 36)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات: 6)
إن الفرق بين الحذر وسوء الظن هو كالفرق بين العقل والهوى، وبين الحكمة والاندفاع. فالمؤمن كيّس فطن، لا يُخدع بسهولة، ولكنه في الوقت ذاته لا يسيء الظن دون بينة.
قصة الفأر والمصيدة: درس في الحذر
يُحكى أن رجلاً أراد اصطياد فأر عبث في منزله، فوضع له مصيدة قديمة وبعض الحبوب. تكررت المحاولة أياماً، وفي كل مرة كان الفأر يأكل ويهرب، حتى ظن أن الرجل يطعمه، فاستأنس بالأمان الكاذب. لكن الرجل لاحظ أن المصيدة معطلة، فاستبدلها بأخرى جديدة. وفي اليوم التالي، اندفع الفأر نحو المصيدة دون تردد، كما اعتاد، لكن هذه المرة أُغلقت عليه وأنهت حياته.
العبرة؟
أن ما نأمنه في الحياة هو ما قد يغفل حذرنا، فنؤتى من حيث لا نتوقع. وكما قالت العرب: “من مأمنه يؤتى الحذر”.
النضج الداخلي: طريق السلام
لعل أعمق ما قد يصيب الإنسان هو الطعنة التي تأتي من حيث منح ثقته، لا من حيث توقع الخذلان. وهنا تبدأ ملامح النضج الحقيقي
• تخفيف التوقعات: عش بسلام داخلي بغض النظر عمن هم حولك.
• الاستقلالية العاطفية: لا تنتظر الوفاء من الجميع، ولا تجعل مشاعرك رهينة لتصرفات غيرك.
الرضا عن الذات: توازن الحب والحكمة
الرضا عن الذات والنضج الداخلي لا يعني الانعزال، بل يعني أن:
• تمنح دون أن تنتظر المقابل.
• تحب دون أن تتعلق.
• تراقب بصمت وتفهم بالإشارات.
الخلاصة: توازن القلب والعقل
ختاماً، لا تطفئ نور قلبك، ولكن لا تغلق عين عقلك. فالثقة شيء جميل، لكن الثقة العمياء قد تكون أقصر طريق إلى الندم.
“اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا”
معلومات الكاتب:
الاسم: عبدالرحيم محمد ابن عبدالله كنو
المهنة: محرر صحفي ممارس موارد بشرية
الجهة المرخصة: وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية – المملكة العربية السعودية
رقم الرخصة : FL-241487325
تاريخ الإصدار: 29 أكتوبر 2025
للتواصل: linkedin.com/in/a-kano




