مال واعمال

“الكوكب الأذكى” من IBM

بقلم ــ المستشار فرحان حسن

قدمت شركة IBM في نوفمبر 2008 واحدة من أعمق المبادرات الفكرية في عالم التكنولوجيا عندما أعلنت عن رؤيتها العالمية “الكوكب الأذكى “Smarter Planet لم تكن المبادرة مجرد حملة تقنية أو شعار تسويقي بل إطارا استراتيجيا شاملا يهدف إلى إعادة تصميم الطريقة التي تعمل بها المدن والحكومات والمؤسسات والبنى التحتية اعتمادا على البيانات والذكاء والتحليل المتقدم.

ترتكز فكرة “الكوكب الأذكى” على مبدأ بسيط وعميق
إذا استطعنا جعل الأنظمة أكثر ترابطا أكثر إدراكا وأكثر قدرة على تحليل البيانات فإننا نستطيع جعل العالم نفسه أكثر كفاءة واستدامة ومرونة.

انطلقت IBM من ملاحظة أن أنظمة الحياة الحديثة من الطاقة إلى النقل من المياه إلى الصحة ومن اللوجستيات إلى التعليم أصبحت معقدة وضخمة و في الوقت ذاته تنتج بيانات هائلة يمكن تحويلها إلى قرارات ذكية تحدث فارقا في جودة الحياة.

لاحظت IBM أيضاُأن العالم أصبح جهازا عصبيا هائلا مليارات المستشعرات في الطرقات والآلات والأنابيب والأجهزة الذكية أصبحت خلايا حسية ترصد نبض الحياة والشبكات الرقمية تحولت إلى أعصاب ناقلة أما الحوسبة السحابية والتحليلات الذكية فصارت الدماغ الجمعي الذي يفسر هذه الإشارات.

قدمت المبادرة حلولا تجعل هذه الأنظمة مترابطة عبر الإنترنت وحساسة من خلال أجهزة الاستشعار وتحليلية بفضل الذكاء الاصطناعي وهكذا يمكن لمدينة أن تتنبأ بالازدحام قبل حدوثه أو لشبكة كهرباء أن تصلح نفسها ذاتيا أو لمستشفى أن يدير موارده بكفاءة أعلى أو لحكومة أن تخفض الهدر وتحسن الخدمات للمواطنين.

أهم ما ميز مبادرة IBM أنها تعاملت مع التكنولوجيا كوسيلة لا غاية فجوهر الكوكب الأذكى ليس الأجهزة والبرمجيات بل القدرة على اتخاذ قرارات أفضل وخلق بيئات عمل ومدن ونظم اقتصادية تتفاعل مع الإنسان وتتعلم منه وقد تفرعت عنها مبادرات مؤثرة مثل “المدن الأذكى “Smarter Cities التي تعاونت فيها IBM مع حكومات حول العالم لبناء منظومات حضرية تعتمد على البيانات في إدارة المرور والمياه والأمن والصحة والنقل العام.

اليوم وبعد أكثر من عقد على إطلاق المبادرة كانت تذكيراً بأن التقنية في ذروتها لا تصنع عالما أكثر تعقيدا بل أكثر بساطة وانسجاما عالم يستمع إلى نفسه ويفهم احتياجاته ويعالج علته ككائن حي استيقظ على وعيه

 

  المستشار فرحان حسن

X: https://twitter.com/farhan_939

‏e-mail: fhshasn@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى