مقالات وكتاب

دهاليز المكر… وخيوط النور

بقلم : مرزوق بن علي الزهراني

 

في هذا العالم المتشابك، حيث تختلط النوايا بالمصالح، وتلتبس الأصوات ما بين حقٍ يُجهر به وباطل يُهمس في ظلاله… يبقى المكر فعلًا بشريًّا يُمارَس بظنّ القوة، لكنه لا يلبث أن ينقلب على أهله، كالسيف يجرح من قبض عليه بجهالة.

تتحدث النصوص القرانية، والأحاديث النبوية، وكذلك أخبار الحكمة، وتجارب الزمن، عن تلك الفئة التي تمضي في طرق المكر، تُخطط في الظلام، وتحيك الخيوط ظنًا منها أنها تمسك بمقاليد الواقع. ولكن… أليس الله بأقوى منهم؟ أليس هو من قال: “ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”؟

يا أيها القارئ الكريم الذي جرّب الألم، وذاق كأس الظلم، تذكّر: مهما بدا لك الباطل منتفشًا، والمفسدين في عليائهم، إن ذلك لا يُعدو كونه استدراجًا مؤقتًا، يُملي به الله لهم ليزدادوا إثمًا، فإذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولم يُفلتهم.

الفلسفة في هذه المعادلة بسيطة وعميقة في آن واحد، حيث لا يصلح الله عمل المفسدين، ولا يثمر كيدهم، وإن طال الأمد، حتى ولو صفق لهم الخلق جميعا. لأن الله لا يُبقي الظلم، ولكنه قد يؤخره ويؤجله، حتى تُكشف السرائر، وتظهر الحقائق، ويُفتضح الباطن المستتر.

عزيزي القارئ الكريم، كن مُوقنًا، أن الله يُسجل مكر أولئك الشرذمة، وهم لا يشعرون. واعلم أن الوجود باكمله قد يصغي للنية قبل الفعل، ويسجل الهمّ قبل الحركة. فها هو القرآن يُقرع آذان القلوب قائلاً: “إن الله لا يُصلح عمل المفسدين”. فهل بعد هذا من طمأنينة؟

وفي دروب المعرفة، تعلمنا أن كل ما يحدث في الظاهر له باطن، ويقف كذلك خلفه أسباب وعلل، وكل حيلة مهما عظُمت تُقابلها حكمة من الله أعظم مما نتصور. فالله لا ينام، ولا يغفل، بل يمهل ليُربي، ويبتلي ليُمحص، ويُمهّد لما بعد الغيم من إشراق.

ولو تأملت أحوال الماكرين ، لرأيت أن أقصى ما لديهم من المكر ، ينتهي إلى ضررهم لا إلى نصرتهم. إنهم يخططون بأساليبهم، لكنهم لا يُدركون أن خيوط الغيب ليست بأيديهم، وأن القدر لا يُدار من مكاتبهم الفارهة، بل يدار من فوق سبع سماوات.

هذه القضية ليست فقط درسًا في الصبر، بل إنها والله حكمة في فهم مجريات الحياة. إنها دعوة لأن تضع قلبك في كفّ الله، لا في يد الأحداث. أن تنام مطمئنًا، وإن اشتدت العواصف، لأنك تعرف أن عدالة الله لا تتخلف، وإن تأخرت في أعين الناس.

ما أعظم السكينة حين تعلم أن أمامك شاشات واسعة، ترى فيها ومن خلالها نهاية من يمكر بك… لا لتشفي غليلك فقط، بل لتزداد قوة بأن الله لا يظلم من عباده أحدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى