مــن يخــدم مــن؟
الإعلامي والصحفي محمد آل ضعين،
عضو هيئة الصحفيين السعوديين
عقول الطلاب في زمن الذكاء الاصطناعي
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، بات الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية؛ إذ يزوّد الطلاب بأدوات بحث متقدّمة ويمنحهم إجابات فورية لمختلف التساؤلات. غير أنّ هذا التطور المذهل يحمل في طيّاته خطرًا خفيًا يهدّد القدرات الذهنية للطلاب، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل مهاراتهم الفكرية والتحليلية.
فالقاعدة البيولوجية البسيطة تقول: أيّ عضو في الجسم لا يُستخدم بفعالية يضمر ويتلاشى. والعقل البشري ليس استثناءً؛ فالاعتماد المفرط على برامج الذكاء الاصطناعي في البحث والاستنتاج والتحليل يضعف مهارات التفكير النقدي، ويحوّل الطالب من منتِج للمعرفة إلى متلقٍّ سلبي للمعلومات.
لقد شهدنا ملامح هذا الخطر سابقًا مع دخول الآلات الحاسبة إلى الفصول الدراسية. صحيح أنّها سهّلت العمليات الحسابية وضمنت دقتها، لكنّ الدراسات أكّدت تراجع مهارات الحساب الأساسية لدى طلاب المرحلة الثانوية. ومع ذلك، بقيت الآلة الحاسبة مجرّد أداة مساعدة، فيما ظلّ الفهم الرياضي العميق قائمًا على العقل البشري وحده.
أما اليوم، فإنّ الذكاء الاصطناعي يتجاوز حدود المساعدة ليقدّم حلولًا جاهزة وتحليلات معقّدة بضغطة زر. هذه السهولة المفرطة قد تُنتج أجيالًا تعتمد على التقنية في كل شيء، لكنها تفتقر إلى النقد والابتكار وربط المعلومات، وهي المهارات التي تُبنى بها الحضارات وتتقدّم بها الأمم.
وهنا يبرز التحدي الأكبر أمام المؤسسات التعليمية: كيف نحقق التوازن بين استثمار الذكاء الاصطناعي كأداة تعلّم متقدّمة، والحفاظ على دور الطالب بوصفه مفكّرًا وباحثًا مستقلًا؟ الحل يكمن في استراتيجيات تعليمية تُحفّز مهارات التحليل، وتشجّع الطلاب على طرح الأسئلة، والبحث العميق، بدلًا من الاستسلام الكامل للأدوات الذكية.
فالابتكار لا يولد من الإجابات الجاهزة، بل من العقول القادرة على التفكير الحر، واستكشاف المجهول. والذكاء الاصطناعي، مهما بلغ تطوّره، يجب أن يبقى خادمًا للعقل البشري لا بديلًا عنه.