النظرة الشرعية: لقاء قلوب أم خداع وجوه؟
بقلم ـ مرزوق بن علي الزهراني
“عن المكياج، والخداع البصري، وما لا يُزال بالماء”
الزمان قد تغيّر، وصار الجمال لا يُرى إلا في علبٍ صغيرة، وصار الوجه لوحة تُرسم بألوان الفن التجاري،وصار الصدق يُدفن تحت طبقات الفاونديشن والكونتور، حتى لم يعد الإنسان يرى الحقيقة، بل يتوهّمها.
التحول الذي حلّ بالنظرة الشرعية لا يُمكن تجاهله، فقد تحوّلت من لحظة صدق خالص إلى مشهد تمثيلي متقن،
يُستعمل فيه كل أدوات الخداع البصري،
من كريم الأساس إلى الرموش الصناعية،
حتى ترى الخاطب وجهًا كالبدر في تمامه،
ليكتشف لاحقًا بعد الزواج أن البدر كان طلاءً زائلًا.
القول الحكيم يأتي من أحد الظرفاء،
حيث قال ساخرًا:
“وبالمكياج مثل البدر تبدو… فإن نزعته، تغدو العم عبده!”
بيتٌ من الدعابة الظاهرة، يحمل في طيّاته مأساة بعض الزيجات، فالتزيين المبالغ فيه أثناء النظرة الشرعية يُفسد الغاية الأسمى، وهي أن يرى الخاطب المرأة في حقيقتها المعقولة، لا في نسخة مُفلترة بدقة HD.
التمييز هنا واضح، فنحن لا نُهاجم الزينة،
بل نُدين التزييف، حيث الزينة التي تضفي لمسة أنثوية مشروعة أمر جميل،
أما تلك التي تُحوّل الملامح إلى شخصية أخرى، فهي ليست زينة، بل قناع يخدع النظر ويخدع القلب.
التشبيه أبلغ من الوصف،
تخيّل أنك دخلت معرضًا فنيًّا يضجّ باللوحات، فتلفت انتباهك إحداها من بعيد، إطارها مذهّب، لامع، يأخذ العين، لكن حين تقترب، تكتشف أن ما بدا لوحة فنية ليس سوى مساحة مطموسة، والجاذبية كانت في الإطار وحده، لا في العمل نفسه.
هكذا تمامًا بعض النظرات الشرعية حين تُغرقها المساحيق، تُبهر العين من بعيد، لكن القرب يكشف أن الجمال كان زيفًا مؤقتًا.
التأمل لو كان الخاطب ممن أُوتي شيئًا من نور الفراسة، ثم جلس في لحظة النظرة الشرعية متأمّلًا، لا منبهرًا،
لسأل نفسه في صمتٍ بين القلب والعين:
هل هذا الوجه كما خلقه الله… أم كما رسمته فرشاة خبيرة؟
هل هذا نور الصدق في الملامح… أم انعكاس هايلايتر؟
هل أرى روحًا تطمئن لها النفس… أم قناعًا يُحسن أداء الدور؟
الغاية التي شُرعت من أجلها النظرة الشرعية، هي أن يُبصر القلب الحقيقة، لا أن تُضلّل العين بالمظاهر، ليُرى خلق يدفع النفس للاطمئنان، لا وهمًا يولد الندم.
الطرفة التي تحكي مرارة الواقع،
حين يستيقظ بعض الأزواج صباحًا بعد الزواج، وينظر إلى زوجته وهمس في نفسه:
“اللهم لا اعتراض على حكمك… لكن أين ذهبت التي كنت أنظر إليها ليلة البارحة؟”
الحقيقة أن الجمال الحقيقي لا يُمسح بمنديل، ولا يذوب مع الماء، ولا يُغسل بصابون الوجه، بل هو جمال الروح، وصدق الطبع، ونور الحياء،هو الوجه الذي لو رآه القلب، قال: اللهم بارك.
الطلب إذًا، واضح وبديهي:
لتكن النظرة الشرعية لحظة صدق، لا لحظة خداع، نافذة تُفتح على حقيقة النفس، لا ستارة تُسدل على مسرحية،فمن خدع في النظر، بكى في العشرة،ومن رأى الحقيقة، أحبها بكل تفاصيلها، وإن لم تكن كاملة،
لأن الصدق لا يحتاج إلى مكياج.