الأرقام تتحدث: من قراءة الواقع إلى صناعة القرار المستقبلي (#استشراف_المستقبل)

بقلم الدكتور محمد بن عايض القرني
في عالم تتسارع فيه المتغيرات الاقتصادية والتقنية، لم يعد اتخاذ القرار الرشيد قائمًا على الحدس أو البلاغة الخطابية، بل على البيانات والأرقام بوصفها اللغة الأكثر حيادًا ودقة لفهم الواقع واستشراف المستقبل. فالبيانات لا تُجامل ولا تنحاز؛ إنها تكشف الفجوة بين الطموح والإنجاز، وتوضح ما تحقق فعليًا وما يتطلب مراجعة أو تصحيح.
وقد لخّص هذا المنهج القيادي ما نُقل عن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2018 بقوله:
«لا تصدقوني… انظروا إلى الأرقام»،
وهي عبارة تختصر فلسفة كاملة في الحكم على الأداء بالنتائج القابلة للقياس لا بالانطباعات.
إطار استشرافي لاتخاذ القرار
Present → Predict → Decide
أولًا: قراءة الواقع كما هو (Present)
تنطلق القرارات الفعّالة من توصيف دقيق للواقع اعتمادًا على الأدلة. في هذه المرحلة تمثل المؤشرات ومقاييس الأداء والبيانات التشغيلية والاقتصادية الأساس للإجابة عن أسئلة جوهرية: أين نقف الآن؟ ما الفجوات بين المستهدف والمتحقق؟ وأين تكمن نقاط القوة والاختناق؟ هنا تُترك الأرقام لتتحدث، باعتبارها نقطة البداية لأي تطوير حقيقي.
ثانيًا: استشراف ما يمكن أن يحدث (Predict)
عند دمج البيانات عالية الجودة مع التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، تنتقل المنظمات من الوصف إلى التنبؤ، عبر تحليل الاتجاهات وبناء نماذج تنبؤية وتصميم سيناريوهات مستقبلية متعددة. الهدف ليس التنبؤ بالغيب، بل تقليل عنصر المفاجأة وتوسيع أفق الرؤية الاستباقية.
ثالثًا: اتخاذ القرار بثقة (Decide)
في هذه المرحلة تُترجم الرؤى إلى قرارات قابلة للتنفيذ، مرتبطة بمؤشرات قياس واضحة وآليات متابعة مستمرة، بما يوازن بين الفرص والمخاطر والقدرة المؤسسية.
ختامًا
القيادة الحديثة لا تطلب التصديق، بل تقدم الدليل. والمنظمات التي تقرأ حاضرها بالبيانات، وتستشرف مستقبلها بالتحليل الذكي، وتتخذ قراراتها بمنهجية واضحة، هي الأقدر على صناعة الفارق وبناء مستقبل أكثر اتزانًا واستدامة.



