الواب وصناعة الوعي ..كيف أعادت الثورة الرقمية صياغة المشهد الإعلامي ؟

الإعلامي والصحفي: محمد آل ضعين
عضو هيئة الصحفيين السعوديين
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة والمتلاحقة التي يشهدها عالمنا اليوم، لم يعد الإعلام يعمل ضمن الأطر التقليدية الثابتة أو القوالب الجامدة التي سادت لعقود، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من منظومة رقمية مفتوحة تقودها تقنيات الاتصال الحديثة وتيارات التكنولوجيا المتجددة. وفي قلب هذه التحولات، يبرز مصطلح ( الواب ) بوصفه البيئة الحاضنة التي أعادت تعريف مفهوم الإعلام من جذوره، وغيرت أنماط الكتابة الصحفية، وأسهمت بشكل مباشر في تشكيل وعي إعلامي جديد، يتسم بكونه أكثر تفاعلًا، وأعمق تأثيرًا، وأوسع انتشارًا.
إذ لا يُقصد بـ ( الواب ) هنا مجرد قناة تقنية للنشر أو وسيلة عرض ثانوية، بل هو الفضاء الاتصالي المتكامل الذي تُنتج وتُنشر من خلاله المضامين الإعلامية عبر الشبكة العالمية، بخصائص قوامها التفاعلية اللحظية، وتعدد الوسائط، وسرعة التداول العابرة للحدود، وهو ما فرض على المؤسسات الإعلامية والصحفيين المحترفين إعادة النظر في أدواتهم وممارساتهم المهنية لمواكبة هذا التدفق المعلوماتي المتسارع.
لقد أحدث ( الواب ) تحولًا جوهريًا في منطق الكتابة الإعلامية وفلسفتها؛ حيث انتقلت الرسالة الصحفية من السياق الخطي التقليدي إلى فضاء ( النص المتشعب ) الذي يمنح القارئ حرية التنقل بين المعلومات والمصادر، ويجعله شريكًا فاعلًا في بناء المعنى واستقصاء المعرفة. ورغم ما أتاحه هذا التحول من عمق واتساع في المحتوى، إلا أنه وضع الصحفي أمام تحديات حقيقية تتعلق بالحفاظ على تماسك الخطاب الإعلامي وسط زخم الروابط وتعدد المصادر.
وبالتوازي مع ذلك، عزز ( الواب ) مفهوم التفاعلية، ناقلًا الإعلام من مربع الاتصال الأحادي إلى رحاب الاتصال التشاركي، حيث أصبح للجمهور دور محوري في التعليق والمشاركة وإعادة إنتاج المحتوى، الأمر الذي وسّع دائرة النقاش العام، لكنه في المقابل رفع سقف المسؤولية الأخلاقية والمهنية، إذ بات الصحفي مطالبًا اليوم بالموازنة الدقيقة بين الانفتاح الواعي على الجمهور، وصون المصداقية وجودة الطرح، بعيدًا عن الانجراف خلف السطحية الرقمية أو منطق السبق المجرد.
وعلى مستوى السرد الصحفي، أتاح ( الواب ) توظيف الوسائط المتعددة بصورة غير مسبوقة، فامتزج النص بالصورة والفيديو والصوت في بناء إعلامي واحد، مدعومًا بتقنيات الخوارزميات والذكاء الاصطناعي التي باتت تؤثر بشكل مباشر في آليات النشر، وانتشار المحتوى، وتوجيه اهتمام الجمهور، مما يضاعف من مسؤولية الصحفي في تقديم محتوى واعٍ يحترم عقل المتلقي، ويقاوم التضليل، ويعزز الثقة.
وتتجلى أهمية هذا التحول في كونه أداة سيادية فاعلة في تشكيل الرأي العام وصناعة الوعي الوطني، لا سيما في ظل النهضة الشاملة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، حيث أصبح الإعلام الرقمي ركيزة أساسية لدعم مشاريع التحول، وتعزيز الشفافية، ورفع جودة الاتصال المؤسسي بما يواكب مكانة المملكة إقليميًا ودوليًا.
وختامًا، يمكن القول إن ( الواب ) لم يغيّر شكل الإعلام فحسب، بل أعاد صياغة الوعي الإعلامي ذاته، فارضًا بيئة ديناميكية تتطلب من الصحفي مزيجًا من الوعي التقني، والعمق الفكري، والالتزام المهني الصارم، لتقديم محتوى مسؤول وقادر على بناء وعي مستدام في عالم سريع التغير، لا يعترف إلا بالتميّز .




